شرح بلوغ المرام (الجزء الثالث) - حديث: وفي الركاز الخمس
حديث: وفي الركاز الخمس
قال: وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « وفي الركاز الخمس »
هذا الخبر متفق عليه عن أبي هريرة
وله في الصحيحين أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: « العجماء جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس »
"جبار" معناه: هدر
« المعدن جبار »3 يعني: هدر، معناه أن إنسانا استأجر إنسانا يحفر له مكانا فيه معادن، فهلك
أو استأجره، فلا شيء عليه بهلاكه، وكذلك: « العجماء جبار » يعني: أن ما أتلفته فهو هدر
« وفي الركاز الخمس »1 اختلف العلماء في الركاز والمعدن: هل هما واحد أم اثنان؟ ذهب الجمهور إلى التفريق بينهما
وقال الأحناف: إنهما واحد، والصواب هو قول الجمهور؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام
فرق بين المعدن، قال: « العجماء جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس »
والعطف يقتضي المغايرة، فدل على أن المعدن غير الركاز، وسيأتي الكلام عن المعدن
نتكلم عن الركاز المعدن في آخر الباب هنا، حديث بلال بن الحارث سيأتي
الركاز على قول الجمهور وهو الصحيح: هو المركوز في الأرض، المدفون فيها
هذا تعريف له بغالب أحواله، فكل ما كان في الأرض مجهولا فإنه ركاز
ويشمل على الصحيح أيضا ما كان ظاهرا
ولو لم يكن مدفونا، والركاز هو في الغالب هو دفن الجاهلية، مدفون الجاهلية الذي يوجد في باطن الأرض
مما يدفنه بعض الكفار في الجاهلية فيوجد، فيحفره إنسان فيجده، أو يجده ظاهرا على وجه الأرض
ويكون يجده ظاهرا على وجه الأرض، ويدل عليه دلالة على أنه ركاز
فالركاز هو: ما كان عليه علامة تدل على أنه من مال الكفار
مثل: أن يكون عليه صور ملوكهم، أو صور صلبانهم، أو أسمائهم أو ما أشبه ذلك.
يدل على أنه خاص بالكفرة، فهذا يسمى الركاز؛ لأنه ركز أي: غرز في الأرض، فهذا فيه الخمس
لأنه العثور عليه سهل، ومئونته سهلة، فكان الواجب فيه الخمس
وهو عشرون في المائة فيخرجه، والصحيح أنه لا يشترط النصاب ويخرجه بأي شيء.
فلو وجد مثلا خمسة دنانير، أو خمسة دراهم -أخرج دينارا، أخرج درهما؛ فليس لها نصاب.
وأيضا لا يشترط لها الحول، يخرجه في الحال، ومصرفه هذا هو فقط، فلا نصاب له
ولا يشترط له الحول، يخرجه في الحال، ومصرفه الصحيح أنه مصرف الفيء، فليس خاصا بالفقراء
بل هو مصرفه مصرف المصالح.
وعموم قوله -عليه الصلاة والسلام-: « في الركاز الخمس »1 يدل على ما سبق
هذا هو الركاز بمعناه على قول الجمهور، ويجوز في الركاز -كما سبق- أن يكون ظاهرا على وجه الأرض
ويكون ركازا، لكن بشرط: أن يكون عليه علامة تدل على أنه ركاز.
أما لو كان ليس عليه علامة من علامات الكفار، فإنه يكون لقطة، والعلامات ثلاثة:
العلامة الأولى: أن تظهر عليه علامة من علامات الكفار -كما سبق-، فهذا ركاز.
الثانية: أن تظهر عليه علامة من علامات المسلمين: كضرب المسلمين، أو أسماء المسلمين، أو ما أشبه ذلك
مما يدل على أنه من أموال المسلمين، فهذا حكمه حكم اللقطة إذا وجده، سواء كان مدفونا أو ظاهرا فإنه يعرفه.
الثالث: أن لا يكون عليه هذا ولا هذا، هذا فيه خلاف: هل يكون حكمه حكم اللقطة
وأن الأصل أنه منبوذ، أو يكون حكمه حكم الركاز؟
هذا موضع نظر، لكن يجتهد: إن دل دلالة على أنه قديم، وأنه من دفن الكفار
أو في قريب من أماكنهم ومساكنهم -فإنه يكون حكمه حكم دفن الجاهلية، وإلا فالأصل أنه يكون للمسلمين
لأن الأصل أن تكون الأموال للمسلمين وراجعة إليهم، فحكمه حكم اللقطة.